أهم الأخبار

ثقافة الحوار...

طباعة تكبير الخط تصغير الخط
 0 Google +0  0
بقلم/ الشيخ خالد حمدان القرآن العظيم منهج حياة, وكذلك سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, ومن مواصفات هذا المنهج وخصائصه, انه ما ترك من خير إلا وأرشدنا إليه, وما ترك من شر إلا وحذرنا منه أو نهانا عنه, لصالحنا في الدنيا والآخرة. وممّا أفاض علينا هذا المنهج العظيم من هذا الخير, أنه عمّق في حياتنا ثقافة الحوار والعفو والتسامح والرفق, بأساليب شتى, يقف المرء أمامها معجبا ومتعجبا. معجبا لكثرتها وتنوعها, ولشدة تأثيرها على حياة الناس والمجتمعات, لو وعتها العقول والقلوب. ومتعجبا لكثرة تفريطنا, وشدة جهلنا بهذه الأساليب, حتى نرضى لأنفسنا, ان عيش حياة الضنك والنكد والشقاء, حالنا بذلك حال الذي يشكو ويتألم من الجوع والزاد والغذاء في خزانته أو ثلاجته ولكنه ما كلّف نفسه بالبحث أو الوصول إليها, أو كالذي يشكو الظلام , ويكثر لعنه, والقضية لا تحتاج أكثر من أن يصل الى مفتاح الكهرباء ليضغط عليه, فتنقلب حياته نورا, أو يوقد شمعة فيبدّد بها ظلام بيته وظلام حياته. وهكذا نحن كأفراد, ومجتمعات وشعوب وأمة !!, فالخير عندنا في أنفسنا, وفي بيوتنا, وفي مساجدنا, وفي مدارسنا, وفي الكتب والمكتبات المكتوبة والمرئية والمسموعة, ولكننا وبكل ألم وحرارة إما أننا لا نعرفه ولا نقدره, أو أننا لا نعيه ولا ندركه, أو أننا ننساه أو نغفله, أو أننا نعرض عنه أو نرفضه عن سبق إصرار وترصد. وعلى سبيل المثال لا الحصر, لو تصفّحنا سور القرآن الكريم وآياته, فكم حدّثنا ووجّهنا ورشّدنا بالأخلاق الحميدة والآداب الكريمة, كالحوار والعفو والصفح والرفق واللين. فالقرآن الكريم يستعرض لنا نماذج ومساحات رائعة من الحوار بين رب العزة بجلاله وكبريائه مع أنبيائه وأصفيائه من عباده وخلقه. فيحاور الله تعالى, نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا وغيرهم صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا, والمقام لا يتسع لذكرها وتفصيلها. ويرصد لنا نماذج أغرب وأعجب, لتبقى قرآنا خالدا يتلى, ما دامت السماوات والأرض. فها هو يرصد لنا ذلك الحوار العجيب بين النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم والمرأة المجادلة, كما ورد في افتتاح سورة المجادلة, وها هو يرصد لنا ذلك الحوار الغريب, وربما وصفه بالغرابة لا يفي بالحقيقة والمقصود !! إنه الحوار الذي يجري بين النبي الملك سليمان عليه السلام, مع طائر صغير, إنه الهدهد, وكلنا يعلم نتيجة هذا الحوار كما ورد في سورة النحل, والأكثر غرابة, هو ذلك الحوار الذي خلّده القرآن العظيم بين النملة وأخواتها على سماع من نبي الله سليمان عليه السلام, أيضا في سورة قرآنية حملت اسم أبطال هذا الحوار, إنها سورة النمل. بعد كل هذا الترسيخ والتعميق لثقافة الحوار, يتساءل الجميع: لماذا لا نتربى على هذه الثقافة الرائعة الخالدة؟ ولماذا نفتقدها مع بعضنا البعض في بيوتنا, بين الزوج والزوجة, وبين الآباء وأبنائهم وبناتهم, وبين الجار وجاره !!؟ وفي مدارسنا, بين المدير والمعلم, وبين المعلم والمعلم , وبين الطالب ومديره ومعلمه وزميله!!؟. وفي مؤسساتنا بين الرئيس ومرؤوسيه من أعلى الهرم الى أسفل القاعدة؟!. وهكذا في الشارع والمتجر ومكان العمل. أليس في غياب ثقافة الحوار, أن تفتح أبواب الشر والعنف والتطرف والاستبداد على مصراعيها, وعندئذ, كما هو الحال, النتائج وخيمة!!, إذا, الخير كل الخير في إشاعة ونشر ثقافة الحوار البنّاء لا الهدّام, والحوار الهادف لا الهابط, والحوار المسموع لا حوار الطرشان. مرة أخرى أقول, هذا مثال من أمثلة كثيرة, نبكي ونشكو ونتألم لفقدانها في واقع حياتنا, والحل عندنا, وفي متناول أيدينا, لو أننا كلفنا أنفسنا قليلا بالإطلاع عليه,ثم يجاهد كل واحد منّا نفسه بالأخذ به,حتى تكون بداية خير , ونهاية فوز ونجاة في الدنيا والآخرة, عملا بقوله تعالى :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".